أيها المبدع هل لك من عودة لا شك أنك محطم وهنا عزائك
هنا كلمة أرجو أن تؤثر فيك
كيف تواجه النقد الآثم؟
الرقعاء، السخفاء، الحمقى، التافهون سبوا الخالق الرازق جل في علاه، شتموا الواحد الأحد الذي ذهب بالجمال والكمال و الجلال لا إله إلا هو، فما أتوقع أنا وأنت ونحن أهل الحيف والخطأ، إنك سوف تواجه حرباً ضروساً لا هوادة فيها من النقد الآثم المر، ومن التحطيم المدروس المقصود، ومن الإهانة المتعمدة، ما دام أنك تعطي، وتبني، وتؤثر، وتسطع، وتلمع، وتبدع، ولن يسكت هؤلاء عنك حتى تتخذ نفقاً في الأرض أو سلماَ في السماء، فتفر من هؤلاء، أما وأنت بن أظهرهم، فانتظر منهم ما يسوءك، ويبكي عينك، ويدمي مقلتك، ويقض مضجعك، إن الجالس على الأرض لا يسقط، إن الناس لا يرفسون كلباً ميتاً، لكنهم يغضبون عليك إذا فقتهم صلاحاً، أو علما، أو أدباً، أو مالاً، أو بياناً، أو زهداً، فأنت عندهم مذنب لا توبة لك حتى تترك مواهبك، ونعم الله عليك، وتنخلج من كل صفات الحمد، وتنسلخ من معاني النبل، وتبقى بليداً غبياً صفراً محطماً مكدوداً، هذا ما يريدون بالضبط.
إذن فاصمد لكلام هؤلاء، إذن فاثبت أحد، إذن فاصبر على نقدهم وتشويههم وتجريحهم وتحطيمهم، إذن كن كالصخرة الصامتة المهيبة، تتكسر عليها حبات البرد، لتثيت وجودها، وتعلن صمودها، وقدرتها على البقاء، إنك إن أصغيت لكلام هؤلاء وتفاعلت به حققت أمنيتهم الغالية في تعكير حياتك، وتكدير عمرك، ألا فاصفح الصفح الجميل، ألا فاعرض عنهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون، إن نقدهم السخيف ترجمة محترمة لك، وبقدر وزنك يكون النقد الآثم المفتعل، إنك لن تستطيع أن تغلق أفواه البشر، ولا تستطيع أن تعتقل ألسنتهم، ولكنك تستطيع أن تدفن نقدهم وتجنيهم بتجافيك لهم، وإهمالك لشأنهم، واطراحك لأقوالهم، قل موتوا بغيظكم،
وكلمة حاسد من غير جرم *** سمعت فقلت مري فانفذيني
وعابوها على ولم تعبني *** ولم يندى لها أبداً جبيني
حسدوا الفتى إن لم ينالو سعيه *** فالناس أعداء أعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها *** حسداً وبغياً إنه لذميم
وشكوت من ظلم الوشاة ولم تجد *** ذا سؤدد إلا أصيت بحسد
لا زلت يا سبط الكرام محسداً *** والتافه المسكين غير محسد
إنك تستطيع أن صب في أفواه هؤلاء الخردل بزيادة فضائلك، وتربية محاسنك، وتقويم اعوجاجك، إن كنت تريد أن تكون مقبولاً عند الجميع، محبوباً لدى الكل، سليماً من العيوب لدى العالم، فقد طلبت مستحيلاً وأملت أملاً بعيداً، ألا يكفيك أن الواحد جل في علاه، القهار تباركت أسماؤه الكامل تقدست آلاؤه يقول: "يسبني ابن آدم، وما بنبغي له ذلك، و يشتمني ابن آدم، وما بنبغي له ذلك، أما سبه إياي (تعالى الله في عليائه) فإنه يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار، وأما شتمه إياي فإنه يقول إني اتخذت صاحبةً وولداً وأنا الله لم أتخذ صاحبةً ولا ولداً" وهذا هو الله جل في علاه، وهذا هو رسولنا صلى الله عليه وسلم من بلغ الكمال البشري، سب وشتم وهجي وقيل له ساحرٌ وشاعرُ وكاهنٌ وكذابٌ ومجنونٌ فنزل عليه فاصفح الصفح الجميل. فاصبر صبراً جميلاً
لا تنتظر شكراً من أحد
خلق الله العباد ليذكروه، ورزق الله العباد ليشكروه، فعبد الكثير غيره، وشكر الغالبُ سواه، لأن طبيعة النكران والجهود والجفاء وكفران النعم غالبة على النفوس، فلاتصدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك، وأحرقوا إحسانك، ونسوا معروفك، بل ربما ناصبوك العداء، ورموك بمنجنيق الحقد الدفين، لا لشيء إلا أنك أحسنت إليهم، (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) وطالعع سجل العالم المشهود فإذا في فصوله قصة أبٍ ربى ابنه، وغذّاه وكساه، وأطعمه وسقاه، وأدبه وعلمه، سهر لينام، جاع ليشبع، تعب ليرتاح، فلما طر شارب هذا الابن، وقوي ساعده، أصبح لوالده كالكلب العقور، استخفافاً وخسة وازدراءً ومقتاً وعقوقاً صارخاً وعذاباً وبيلاً وبغياً أثيماً.
وربيته حتى إذا ما تركته *** أخا الفحل واستغن عن الطر شاربه
تغمط حقي ظالماً ولوى يدي *** لوى يده الله الذي هو غالبه
ألا فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفطر،ومحطمي الإرادات، وليهنأ بعظم المثوبة عند من لا تنفد خزائنه، إن هذا الخطاب الحار لا يدعوك بترك الجميل وعدم الإحسان للغير وإنما يوطنك على انتظار الجحود والتنكر لهذا الجميل والإحسان فلا تبتئس بما كانوا يصنعون اعمل الخير لوجه الله لأنك الفائز على كل حال، ثم لا يضر غمط من غمطه ولا جحود من جحده واحمد الله لأنك المحسن وهو المسيء (واليد العليا خير من اليد السفلى) (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولاشكوراً) وانظر إلى أبي بكر رضي الله عنه دفع أمواله ووقته ودموعه ودمه وأعتق الرقاب وشرى السلاح في سبيل الله ثم لما أراد أن يُثامَن قال والله لا أطلب الثمن إلا من الله، فقال الله لأبي بكر (فما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى) وياله من ثواب عظيم.
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس
وانظر إلى الأنصار دفعوا أراضيهم، دفعوا نفوسهم قدموا أرواحهم استبسلوا بدمائهم وأراد صلى الله عليه وسلم أن يثامنهم في مكان المسجد قالوا والله لا نطلب ثمنه إلا من الله.
وقد ذهل كثير من العقلاء من جبلة الجحود عند الغوغاء وكأنهم ما سمعوا الوحي الجليل وهو ينعى على هذا الصنف عتوه وتمرده (مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه)، لا تفاجأ إذا أهديت لبليد قلماً فكتب به هجاك، أو منحت جاهلاً عصاً يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه فشج بها رأسك، هذا هو الأصل عند هذه البشرة المحنطة في كفن الجحود مع بارئها جل في علاه فكيف بها معي ومعك.
أعلمه الرماية كل حين *** فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي *** فلما قال قافية هجاني
مقطع من محاضرة الشيخ عائض القرني بعنوان "لا تحزن"
وأعتذر عن الأخطاء الإملائية